نيابة الألف عن الضمة
قال : وأمَّا الألفُ فَتكُونُ عَلاَمَةً لِلرَّفْعِ فِي تَثْنِيَةِ الأسْمَاءِ خَاصَّةً .
وأقول : تكون الألف علامة علي رفع الكلمة في موضع واحد ، وهو الاسم المثني ، نحو " حَضَرَ الصّدِيقَانِ " فالصديقان : مثني ، وهو مرفوع لأنه فاعل ، وعلامة رفعه الألف نيابة عن الضمة ، والنون عوضٌ عن التنوين في قولك : صَدِيقٌ ، وهو الاسم المفرد .
والمثني هو : كل اسم دَلَّ علي اثنين أو اثنتين ، بزيادة في آخره ، أغْنَتْ هذه الزيادة عن العاطف والمعطوف ، نحو " أَقْبَلَ العُمَرانِ ، والهِنْدَانِ " فالعُمران : لفظ دلَّ علي اثْنَيْنِ اسْمُ كلِّ واحدٍ منهما عُمَرُ ، بسبب وجود زيادة في آخره ، وهذه الزيادة هي الألف والنون ، وهي تُغْنِي عن الإتيان بواو العطف وتكرير الاسم بحيث تقول : " حَضَرَ عُمَرُ وَ عُمَرُ " وكذلك الهندان ؛ فهو لفظ دَالٌّ علي اثنتين كلُّ واحدة منهما اسمها هِنْدٌ ، وسَبَبُ دلالته عَلي ذلك زيادة الألف والنون في المثال ، ووجود الألف والنون يغنيك عن الإِتيان بواو العطف وتكرير الاسم بحيث تقول : حَضَرَتْ هِنْدٌ وَ هِنْدٌ "
نيابة النون عن الضمة
قال : وأمَّا النُونُ فَتكُونُ عَلاَمَة للرَّفع في الفِعْلِ المُضَارع ، إذا اتصَلَ بِهِ ضمِير تَثْنِيةٍ ، أوْ ضَمِيرُ جَمْعٍ ، أوْ ضَمِيرُ المُؤنَّثَةِ الْمُخَاطَبَةِ .
وأقول : تكون النون علامة علي أن الكلمة التي هي في آخرها مرفوعة في موضع واحد ، وهو الفعل المضارع المسند إلي ألف الاثنين أو الاثنتين ، أو المسند إلي واو جماعة الذكور ، أو المسند إلي ياء المؤنثة المخاطبة.
أما المسند إلي ألِفِ الاثنين فنحو " الصَّدِيقََانِ يُسَافِرَانِ غداً " ، ونحو " أنْتُمَا تُسَافِرَانِ غَدَاً " فقولنا : " يسافران " وكذا " تسافران " فعل مضارع مرفوع لتجرده من الناصب والجازم ، وعلامة رفعه ثُبُوتُ النون ، وألف الاثنين فاعل ، مبني علي السكون في محل رفع .
وقد رأيت أن الفعل المضارع المسنَدَ إلي ألف الاثنين قد يكون مبدوءًا بالياء للدلالة علي الْغَيْبَةَ كما في المثال الأوَّل ، وقد يكون مبدوءًا بالتاء للدلالة علي الخطاب كما في المثال الثاني .
وأما المسند إلي ألف الاثْنَتَين فنحو " الهِندَانِ تُسَافِرانِ غَداً " ، ونحو : "أنْتُمَا يا هِنْدَانِ تُسَافِرَانِ غَداً " فتسافران في المثالين : فعل مضارع مرفوع بثبوت النون ، والألف فاعل ، مبني علي السكون في محل رفع .
ومنهم تعلم أن الفعل المضارع المسند إلي ألف الاثنتين لا يكون مبدوءًا إلا بالتاء للدلالة علي تأنيث الفاعل ، سواءٌ أكان غائباً كالمثال الأوَّل ، أم كان حاضراً مُخَاطَباً كالمثال الثاني .
وأما المسند إلي واو الجماعة فنحو " الرِّجَالُ الْمُخْلِصُونَ هُمْ الَّذِينَ يَقُومُونَ بواجبهم " ، ونحو " أنْتُمْ يَا قَوْمِي تَقُومُونَ بِواجبكم " فيقومون ـ ومثله تقومون ـ فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ،و واو الجماعة فاعل ، مبني علي السكون في محل رَفْعٍ .
ومنه تعلم أن الفعل المضارع المسنَدَ إلي هذه الواو قد يكون مَبْدُوءًا بالياء للدلالة علي الغيبة ، كما في المثال الأوّل ، وقد تكون مَبْدُوءًا بالتاء للدلالة علي الخطاب ، كما في المثال الثاني .
وأما المسند إلي ياء المؤنثة المخاطبة فنحو " أنْتِ يا هِنْدُ تَعْرِفِينَ وَاجِبَكِ " فتعرفين : فعل مضارع مرفوع ، وعلامة رفعه ثبوت النون ، وياءُ المؤنثة المخاطبة فاعل ، مبني علي السكون في محل رفع .
ولا يكون الفعلُ المسند إلي هذه الياء ألاَّ مبدوءًا بالتاء ، وهي دَالة علي تأنيثِ الفاعل .
فَتَلَخَّصَ لك أن المسند إلي الألف يكون مبدوءًا بالتاء أو الياء ، والمسند إلي واو كذلك يكون مبدوءًا بالتاء أو الياء ، والمسند إلي الياء لا يكون مبدوءًا إلا بالتاء .
ومثالها : يَقُومَانِ ، وَتَقُومَان ، وَيَقُومُون ، وَتَقُومون ، وتقومِينَ ، وتُسَمَّي هذه الأمثلة " الأَفْعَالِ الْخَمْسَةَ " .
علامات النصب
قال : ولِلنَّصبِ خَمْسُ عَلاَمَاتٍ الْفَتْحَةُ ، وَالأَلِفُ ، وَالكَسْرَةُ ، وَاليَاءُ ، وَحَذْفُ النُّونِ .
وأقول : يمكنك أن تحكم علي الكلمة بأنها منصوبةٌ إذا وجدَتَ في آخرها علامة من خمس علاماتٍ : واحدة منها أصلية ، وهي الفتحة ، وأربع فروع عنها ، وهي : الألف ، والكسرة ، والياء ، وحَذْفُ النون .
الفتحة ومواضعها
قال : فَاَمَّا الفَتْحَةُ فَتَكُونُ عَلاَمَة لِلنَّصْبِ في ثَلاُثَةِ مَوَاضِعَ : فِي الاِسْمِ الْمُفْرَدِ ، وَجَمْعِ التَّكْسِيرِ ، وَالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ إِذَا دَخَلَ عِلَيْهِ نَاصِبٌ ، وَلَمْ يَتَّصِلُ بِآخِرِهِ شَيْءٌ .
وأقول تكون الفتحة علامة علي أن الكلمة منصوبة في ثلاثة مواضع ، الموضع الأوَّل : الاسم المفرد ، والموضع الثاني ، جمع التكسير ، والموضع الثالث : الفعل المضارع الذي سَبَقَهُ ناصب ، ولم يتصل بآخره ألفُ اثنين ، ولا واو جماعة ، ولا ياء مخاطبة ، ولا نون توكيد ، ولا نون نسوة .
أما الاسم المفرد فقد سبق تعريفه ، والفتحة تكون ظاهرة علي آخره في نحو" لقيتُ عَلِيًّ " ونحو " قَابَلْتُ هِنْداً " فَعليًّ ، وهنداً : اسمان مفردان ، وهما منصوبان لأنهما مفعولان ، وعلامة نصبهما الفتحة الظاهرة ، والأول مذكر والثاني مؤنث ، وتكونُ الفتحةُ مُقَدَّرَةً نحو : لَقِيتُ الْفَتي " ونحو " حَدَّثْتُ لَيْلَي " فالفَتي وَلَيْلَي : اسمان مفردان منصوبان ؛ لكون كلِّ منهما واقع مفعولاً به ، وعلامة نصبهما فتحة مقدره علي الألف منع ظهورها التعذر ، والأول مذكر والثاني مؤنث .
وأما جمع التكسير فقد سبق تعريفه أيضاً ، والفتحة قد تكون ظاهرة علي آخره ، نحو " صَاحَبْتُ الرِّجَالَ " ونحو " رَعَيْتُ الْهُنُودَ " : فالرجال والهنود جَمْعَا تكسير منصوبان ، لكونهما مفعولين ، وعلامة نصبهما الفتحة الظاهرة ، والأول مذكر ، والثاني مُؤَنث ، وقد تكون الفتحة مقدرة ، نحو قوله تعالي :{ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى } ونحو قوله تعالي :{ أَنْكِحُوا الأيَامَي } فَسُكَارَى و الأيَامَى : جَمْعَا تكسير منصوبان؛ لكونهما مفعولين، وعلامة نصبهما فتحة مقدرة علي الألف منع من ظهورها التعذر .
وأما الفعل المضارع المذكور فنحو قوله تعالي { لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ } فنبرح فعل مضارع منصوب بلَنْ ، وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة ، وقد تكون الفتحة مقدرة ، نحو " يَسُرُّنِي أن تَسْعَي إلي المَجْدِ " فتسعي : فعل مضارع منصوب بأنْ ، وعلامة نصبه فتحة مقدرة علي الألف منع من ظهورها التعذر .
فإن اتصل بآخر الفعل المضارع ألف اثنين ، نحو " لَنْ يَضْرِبَا " أو واو جماعة نحو " لَنْ تَضْرِبُوا " أو ياء مُخَاطَبة ، نحو " لَنْ تَضْرِبِي " لم يكن نصبه بالفتحة ، فكُلٌّ من " تَضْرِبَا " و " تَضْرِبُوا " و " تَضْرِبِي " منصوب بلَنْ ، وعلامة نصبه حذف النون ، والألف أو الواو أو الياء فاعل مبني علي السكُون في محل رفع ، وستعرف توضيح ذلك فيما يأتي .
وإن اتصل بآخره نون توكيد ثقيلة ، نحو " والله لَن تَذْهَبَنّ " أو خفيفة " والله لَنْ تَذْهَبَنْ " فهو مبني علي الفتح في محل نصب .
وإن اتصل بآخره نون النسوة ، نحو " لَنْ تُدرِكْنَ المَجْدَ إلاَّ بالْعَفَافِ " فهو حينئذ مبني علي السكون في محل نصب .