توحيد العبادة - البداء - القضاء والقدر

 

المشرف العام

توحيد العبادة - البداء - القضاء والقدر

3/3/2021 - 1:08 ص     572

أما القسم الثاني : توحيد العبادة له دون غيره

قد ورد لفط العبادة في القرآن لعدة معاني، وهي:

العبادة بمعنى التأليه. 

ومنه قوله تعالى:  { والذين آتيناهم الكتاب يفرحون بما أنزل إليك ومن الأحزاب من ينكر بعضه قل إنما أمرت أن أعبد الله ولا أشرك به إليه أدعو وإليه مآب}([1]) .  

والمعنى المنصرف إلى الذهن عند إطلاق لفظة العبادة هو التأليه.  فإذا أطلقت لفظة العبادة دون قرينة فالعرف العام يتبادر فهمه إلى معنى التأليه.

العبادة بمعنى الخضوع و التذلل

ومنه قوله تعالى: { فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ}([2]).

 

العبادة بمعنى الطاعة

        ومنه قوله تعالى:  { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }([3]).

        والعبادة بجميع معانيها حق لله وحده، لا يشاركه فيه أحد, فالتأليه والخضوع والتذلل والطاعة واجبة بالأصالة لله وحده، ولا تجوز العبادة غير الله بالأصالة مطلقاً.  

ولكن بعض أنواع العبادة تجوز لغير الله إذا كانت بأمره سبحانه ولا يصح بعضها الآخر إلا له مطلقاً.

فأما الذي لا يصح إلا لله مطلقاً فهو العبادة: بمعنى التأليه.   فهو حق لله وحده ولا تصح عبادة غير الله بهذا المعنى بأي وجه من الوجوه مطلقاً، فهو المالك الحقيقي الذي أوجدنا من العدم والذي يملك رقابنا، وهو الأقرب إلينا من حبل الوريد. من ذا الذي يعارضه في سلطانه وينازعه في أمره وحكمه؟  وهو القابض والباسط، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.

فالمؤمن لا يعبد غير الله، ولا يستعين إلا به، فإن غير الله - أيّاً كان - محتاج إلى الله في جميع شؤونه وأطواره والمعبود لا بد وأن يكون غنيا، وكيف يعبد الفقير فقيرا مثله ؟!

ومن عبد غير الله بمعنى التأليه فقد أشرك بالله سبحانه وتعالى وخرج من الدين, فمن عبد شيئاً معه، أو شيئاً دونه، أو ليقربه زلفى إلى الله فهو كافر أيضاً.

وأما التبرك بالمعصومين الأطهار ، والتوسل إلى الله بكرامتهم ومنزلتهم عند الله، والصلاة عند مراقدهم لله، فليس من العبادة لهم بل العبادة لله.

وفرق واضح بين الصلاة لهم والصلاة لله عند قبورهم، قال تعالى:  { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوّ وَالاَصَالِ }([4]).

 بل كل ذلك من نوع التقرُّب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة، كالتقرُّب إليه بعيادة المريض.

وقد أثبت علماؤنا الأجلاء في علم الفقه أن زيارة القبور وإقامة المآتم من الأعمال الصالحة الشرعية. وليس المقصود منها عبادة الأئمّة، ولا تأليههم ولا جعلهم أرباباً من دون الله,  ومن يفعل ذلك فهو عندنا مشرك كافر خارج عن الدين والملة,  وإنّما المقصود منها إحياء أمرهم، وتجديد ذكرهم، وتعظيم شعائر الله فيهم قال تعالى: { ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }([5]).   

فكلّ هذه أعمال صالحة ثبت من الشرع استحبابها، فإذا جاء الإنسان متقرِّباً بها إلى الله تعالى، طالباً مرضاته، استحق الثواب منه، ونال جزاءه.

وأما الذي يصح منها لغير الله بشرط أن يكون بأمر الله فهو التذلل والخضوع والطاعة.  فالتذلل والخضوع و الطاعة حق لله وحده ولا يصح ذلك إلا له سبحانه وتعالى,  فيجب على العبد أن يتذلل ويخضع ويطيع مولاه لأنه مملوك فقير محتاج في كل مراحل وجوده لله, لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً, لا يستطيع الخروج عن ملكه ولا التعدّي على سلطانه,  فهو مملوك صرف أمره بيد مالكه الحقيقي الذي أوجده من العدم وهو الله سبحانه وتعالى:  { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ  أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ  تَبَارَكَ الله رب العالمين}([6]).

فلله أن يتصرف في خلقه كيف يشاء وأن يأمرهم بما يشاء، وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالتذلل والخضوع لغيره فقال سبحانه وتعالى في التذلل للوالدين:  { وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ }([7]). الإسراء: ٢٤

 

 

 

 

 

 

 
  مخطط انسيابي: متعدد المستندات:     
  الملحقات

      البداء

 والقضاء والقدر
 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

ملحقات في ذكر مسائل وقع الخلاف فيها :

البداء والقضاء والقدر

 

البداء 

والكلام فيه يقع في جهات:

 

الجهة الأولى: تعريف البداء

البداء في اللغة هو العلم بعد الجهل والظهور بعد الخفاء.   وهو بهذا المعنى يستحيل نسبته لله تعالى ,

وحقيقة ما تنسبه الشيعة لله سبحانه هو الإبداء، وإطلاق لفظ البداء عليه من باب المجاز والمسامحة في اللفظ، والمقصود منه فيما ينسب للباري جل وعلا هو العلم بعد العلم.

 

الجهة الثانية: في بيان إمكانه ووقعه على الله سبحانه

قد ذكرنا أن البداء بالمعنى الحقيقي يستحيل نسبته لله تعالى، وهو غير ما تقول به الشيعة، ومعناه عندهم: أن يُبدي اللهُ للعباد شيئاً وهو يعلم أنه سوف يتغير ويكون ذلك لمصحة أرادها الله,  سواء أبدى ذلك على لسان أنبيائه أو في الطبيعة، كأن يُبدي للناس أن الإمام بعد الإمام الصادقu هو ولده إسماعيل, فيتوقع الناس أنه الإمام بعد أبيه، ولكن الله يعلم أن الإمام بعد الإمام الصادقu هو الإمام موسى بن جعفر u, فلما مات إسماعيل تبين للناس أنه ليس إماماً بل الإمام غيره.  وقد ورد عن الصادق u:  ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني([8]).

فالله سبحانه وتعالى أبدى للناس أمراً كان قد خفي عليهم وقد علموا به بعد أن جهلوه. وقد جرى في هذا الحال أمران وهما:

1. إبداء من قبل الله.

2. بداء للناس.

 

تو ضيح وتنوير:    إن البداء الذي تقول به الشيعة وتنسبه لله تعالى هو مضمون قرآني وهو يعني أن مصير الإنسان في دنياه وآخرته مرهون بأعماله، فعمره ورزقه وعافيته وجميع أحواله مربوطة بعمله، فإن عمل خيراً أمدّ الله له في عمره وضاعف في رزقه وأعطاه البركة في عمره وجسده وولده وفي جميع ما يرجع إليه,  وإن عصى وأذنب أنقص الله من عمره ومنع رزقه وسلب من البركة في جميع أحواله.  وهو معنى قوله تعالى:   { يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ }([9]).

ومعنى ذلك أنه لم يجف قلم المحو والإثبات بل لا زال ماضياً، بل لولا البداء لما كان لكثير من العبادات أي معنى.

فلو كانت الأمور ماضية من دون تغيير لما كان للدعاء والتوبة أي معنى، ولصحّ أن يقول العبد لا فائدة من الدعاء، فما يكتبه الله لابد و أن يجري، ولا فائدة للتوبة، فمَن كتبه الله من أهل النار لا يمكن أن يدخل الجنة، والحال أن الله قادر على التغيير والتدبير والمحو والإثبات كيف يشاء ومتى يشاء، وهذا كله مضمون قرآني واضح لا غبار عليه ولا شك يعتريه.

ولكن الطوائف الأخرى لما لم تفهم معنى البداء الذي تقوله الشيعة نراهم قد شنّعوا عليهم واتخذوا ذلك وسيلة للنيل منهم، والحال أن معنى البداء هو نفس معنى الآية الكريمة.

 

 

 

 

 

 

 

القضاء والقدر

اختلف الناس في نسبة أفعال المخلوقات لله تعالى على ثلاثة مذاهب:

          المذهب الأول: مذهب المجبرة  - وهم الأشاعرة -

فقالوا بأن الأفعال لا تكون إلا من الله، لأنه القادر الوحيد وليس لغيره قدرة على شيء، فهو الذي يسيرنا لأفعالنا، وإنما نحن مكان لوقوع أفعال الخالق، ونحن مسلوبون الإرادة والاختيار، فطاعة المطيع من الله ومعصية العاصي من فعل الله، وهو مع ذلك يثيب المطيع ويعذب العاصي.

وقد ذهبوا لذلك لاعتقادهم بأن الله هو السبب الحقيقي وحده لا يصدر أي فعل إلا من الله، وقد توهموا أن هذا القول هو لازم كونه تعالى الخالق بلا شريك.

 

          المذهب الثاني: مذهب المفوضة – وهم المعتزلة –

فقالوا بأن الله فوّض القدرة على كل الأفعال لعباده ورفع يده وتقديره عنهم فلا يقدم ولا يؤخر ولا يدفع ولا يمنع.   وقد قالوا بأن لكل شيء سبب خاص قد قضاه الله وقدره فلا يغيره، وقد أعطى الله لعباده تفويضاً عاماً لا يقدر على نقضه وقد ذهبوا لذلك لاعتقادهم بأن هذه الأفعال نقص والنقص لا يصدر من الله.

 

          المذهب الثالث: وهو مذهب أهل البيت

فقد قال الإمام الصادق u:  لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين أمرين ([10]).

 

وتوضيح هذا المذهب:   

إنّ الله سبحانه هو المفيض القادر على كل شيء، فما من شيء في الكون إلا وهو في سلطته وتحت قبضته، هو القادر على كلِّ شيء، وليس لأي موجود حول ولا قوة إلا منه,  فكل أفعال الخلق تجري بقوته ومدّه، ولكنه سبحانه وتعالى قد تعلقت إرادته على أن يمُّلِّكَ الخلقَ القدرة على فعل كل ما يريدون بمحض إرادتهم, وهو قادر على منعهم وسلب القدرة عنهم فهم خلقه وصنائعه وتحت تصرفه، فهو لم يجبرهم على شيء بل إنه أقدرهم على ما يريدون,  ولم يفوض لهم أفعالهم بحيث يخرجون عن سلطانه بل تجري فيهم إرادته ومشيئته.



(1) سورة الرعد: آية 36.

(2) سورة االمؤمنون:  آية 47.

(1) سورة يس:  آية 60.

(1) سورة النور:  آية 36.

(2) سورة الحج:  آية 32.

(1) سورة النور:  آية 42.

(2) سورة الإسراء:  آية 24.

(1) التوحيد/ الشيخ الصدوق، ص 236.

(2) سورة الرعد:  آية 39.

(1) الكافي الشريف/ الشيخ الكليني، ج1، ص 160.

 

 

 


  

   أضف مشاركة

حفل تخرج 1440 هـ


محرك البحث

مواقع التواصل الاجتماعية

صور عشوائية من معرض الصور

حفل تخريج طلاب عام 1440
عقد قران الولد مجتبى 6
حفل تجريج دفعات الخطابة للقسم النسائي 1438
الحفل الختامي لتخريج جميع المستويات عام 1432
حفل التخرج 1440
صور من زيارة أئمة العراق عليهم السلام عام 1439
الشيخ محمد المشيقري 8
حفل تخريج طلاب عام 1440
حفل تخريج الدفعة الثانية عشر 7

تغيير القالب