المشرف العام

التوحيد الذات والصفات

3/3/2021 - 12:58 ص     787

أما النحو الثاني:  أنه بسيط غير مركب من أجزاء.

توضيح ذلك:  أنه لو كان مركباً للزم أن يكون مخلوقاً.

وذلك لعدة أمور:

الأمر الأول:  أن المركب متوقف في الوجود على وجود أجزائه فلابد من وجود أجزائه أولاً حتى يمكن نسبة الوجود له.

فإذا كان محتاجاً لأجزائه فإنه يلزم أحد أمرين وهما: إما القول بكون الخالق محدث ومخلوق أو القول بتعدد القديم لأنه كان مركباً فلابد من وجود أجزائه قبل وجوده.

وننقل الكلام لهذه الأجزاء فنقول من الذي أوجد أجزاء الخالق؟ فإن قلت أنها قديمة لزم من ذلك تعدد القديم ويلزم من ذلك الشرك. وإن قلت أنها ليست قديمة ولكنها محدثة.

فنقول من الذي أوجدها من العدم. فهل أوجدت نفسها بنفسها وهذا محال.

أو أوجدها غيرها ومن ذلك الغير فهل هو الله أو غيره. فإن قلت: أنه الله، قلنا:  هذا مستحيل، لأنه قبل وجود أجزائه غير موجود.

وإن قلت غيره لزم وجود قديم آخر غير الله وهذا شرك. 

 

الأمر الثاني:  يلزم أن يكون الخالق محتاجاً.

 لأن المركب يحتاج لمن يركب أجزائه ويؤلفها حتى يحصل المركب, والذي يحتاج في وجوده لغيره لا يكون إلهاً.  فيلزم من ذلك كله نفي الجسمية والتركب، قال أمير المؤمنين u: [ يجب أن يعتقد أن الله تعالى واحد ليس كمثله شيء لا يحد ولا يحس ولا يجس ، ولا يدرك بالأوهام والأبصار ، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، شاهد كل نجوى ، ومحيط بكل شيء ، لا يوصف بجسم ولا صورة ولا جوهر ولا عرض ولا سكون ولا حركة ولا صعود ولا هبوط ولا قيام ولا قعود ولا ثقل ولا خفة ولا جيئة ولا ذهاب ولا مكان ولا زمان ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا فوق ولا أسفل ولا يمين ولا شمال ولا وراء ولا أمام ، وأنه لم يزل ولا يزال سميعاً بصيراً حكيماً عليماً حياً قيوماً قدوساً عزيزاً أحداً فرداً صمداً لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ، وأنه شيء ليس كمثله شيء وخارج من الحدين حد الإبطال وحد التشبيه ، خالق كل شيء، لا إله إلا هو ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ، وهو اللطيف الخبير ]([1]).

 

أما النحو الثالث: أن صفاته عين ذاته.

صفات الخالق على ثلاثة جهات:

الجهة الأولى: الصفات الكمالية الجمالية.

وهي الصفات التي يجب أن يتصف بها الخالق أزلاً, سرمداً ولا يعقل سلبها عنه سبحانه مطلقاً كالعلم، والقدرة، والغنى، والإرادة، والحياة.

 

 

 

 

 

 

الجهة الثانية: الصفات الثبوتية الفعلية.

وهي مجموعة صفات منتزعة من كونه سبحانه وتعالى خالق قيوم على خلقه كالخالقية، والرازقية، والتقدّم، والعلّية وهي صفات يمكن تعقل عدم اتصاف الخالق بها فقبل أن يخلق الخلق ويرزقهم لم يكن رازقاً ولم يكن علة.

 

الجهة الثالثة: الصفات السلبية وتسمى الصفات الجلالية.

وهي مجموعة صفات لا يتصف بها إلا الممكن المخلوق المحتاج,  فلا يعقل أن يتصف بها الخالق الغني كالجسمية والصورة والحركة والسكون، والثقل والخفّة، وما إلى ذلك، بل سلب كل نقص, فيجب أن ينزه عنها الخالق سبحانه وتعالى.

قال أمير المؤمنين u: [ من زعم أن الله تعالى من شيء أو في شيء أو على شيء فقد أشرك ، ثم قال u: من زعم أن الله تعالى من شيء فقد جعله محدثاً ، ومن زعم أنه في شيء فقد زعم أنه محصور ومن زعم أنه على شيء فقد جعله محمولاً ]([2]).

 

إذا عرفت ذلك فاعلم:  بأن الصفات الجمالية هي عين ذات الخالق سبحانه وليست صفاتاً عارضة عليه، بل هي عين وجود الذات المقدسة, كما أنها واحدة غير متعددة في حقيقتها وذاتها, وإنما هي متعددة في المفهوم منها عندنا لا في الواقع.

فالقدرة هي عين العلم والعلم عين الحياة وهكذا فهو القادر الذي قدرته عين حياته، وحياته عين علمه، فلا تعدد بين الذات والصفات، كما لا تعدد بين الصفات نفسها, وإلا لزم تعدد القديم وهذا ينافي التوحيد.

وأمّا الصفات الثبوتية الإضافية -كالخالقية، والرازقية وغيرهما- فهي عدّة صفات منتزعة باعتبار اختلاف الآثار والملاحظات.

 

صفات الله الذاتية والفعلية:

والفارق بين صفات الله الذاتية وصفاته الفعلية أن صفات الله الذاتية هي التي يستحيل أن يتصف سبحانه بنقيضها أبدا, فلا يصح سلبها عنه في حال,  ومثال ذلك:  العلم والقدرة والحياة.

فالله تبارك وتقدس لم يزل ولا يزال عالماً قادراً حيّاً، ويستحيل ألا يكون كذلك في حال من الأحوال.

وإن صفاته الفعلية هي التي يمكن أن يتصف بها في حال وبنقيضها في حال آخر.

ومثال ذلك: الخلق والرزق، فيقال: إن الله خلق كذا ولم يخلق كذا، ورزق فلانا ولدا ولم يرزقه مالا.

 

 

الصفات السلبية

        وأمّا الصفات السلبية فهي التي تسمّى بصفات الجلال، فهي ترجع جميعها إلى سلب واحد، هو سلب الإمكان عنه؛ فإنّ سلب الإمكان لازمه -بل معناه - سلب الجسمية والصورة والحركة والسكون، والثقل والخفّة، وما إلى ذلك، بل سلب كل نقص.

ثمّ إنّ مرجع سلب الإمكان - في الحقيقة - إلى وجوب الوجود، ووجوب الوجود من الصفات الثبوتية الكمالية، فترجع الصفات الجلالية (السلبية) آخر الأمر إلى الصفات الكمالية (الثبوتية)، والله تعالى واحد من جميع الجهات، لا تكثّر في ذاته المقدّسة، ولا تركيب في حقيقة ذاته المقدسة.

 

قال أمير المؤمنين وسيد الموحدين علي ابن أبي طالب u:

[ أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة. . . .]([3]).

وجميع صفات الخالق سبحانه وتعالى صفات ذاتية غير مكتسبة من أحد,  فالله حي, عالم، قادر، غني، مريد بذاته لم يحتج في شيء من صفاته لأحد، بل هو غني مطلق، وعليه فما جاءت به الروايات في صفات أهل البيت من أنهم يعلمون الغيب، بل قد ورد عنهم  أنه لا يعزب عن علمهم مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فكل ذلك بتفويض من الله سبحانه، فيكونون محتاجين لله في كل شيء، حتى في علمهم بالمغيبات وغيرها, فقد روي عن عمر بن فرج الرخجي قال:  قلت لأبي جعفر u: إن شيعتك تدّعي أنك تعلم كل ماء في دجلة ووزنه؟ وكنا على شاطئ دجلة فقالu لي: يقدر الله تعالى أن يفوض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه أم لا ؟ قلت : نعم، يقدر، فقال u: أنا أكرم على الله تعالى من بعوضة ومن أكثر خلقه([4]).

ويكون حال ذلك كحال عيسى إذ خلق طيراً بإذن الله قال تعالى: {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ  أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالأْرَضَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ  وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ  إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }([5]).  

فعيسى خالق للطير، ولكنه ليس إلهاً له، لأنه خلق طيراً بإذن الله، وليس بقوة ذاتية فيه، والقدرة على الخلق مكتسبة من الله، وهذه القدرة ليس من صفات الخالق، بل من صفات المخلوق، فعلم الغيب المكتسب والخلق الذي بإذن الله لا يصيّر من يقدر عليه إلهاً مطلقاً، وكل ما ورد عن أهل البيت من فضائل هو من هذا القبيل وليس في ذلك تأليهٌ لهم.



(1) الهداية/ الشيخ الصدوق، ص 4.

(1) الهداية/ الشيخ الصدوق، ص 17.

(1) الإحتجاج/ الشيخ الطبرسي ج1،ص 296.

(1) مدينة المعاجز/ السيد هاشم البحراني، ج7، ص 400.

(2) سورة آل عمران: آية49.

 

 

 


  

   أضف مشاركة

حفل تخرج 1440 هـ


محرك البحث

مواقع التواصل الاجتماعية

صور عشوائية من معرض الصور

حفل تخريج طلاب عام 1440
حفل تخريج الدفعة الثانية عشر 4
مركز أهل البيت - مدينة سقنو  - ولاية ميشقن - أمريكا
حفل تجريج دفعات الخطابة للقسم النسائي 1438
حفل تخريج طلاب عام 1440
الشيخ محمد المشيقري 5
مزرعة أبي توفيق البويدي - الأحساء - التوثير
حفل تخريج الدفعة الحادية عشر 9
حفل تخريج الدفعة الثانية عشر 8

تغيير القالب