العجب - الكبر - الوقار - كثرة المزاح

 

المشرف العام

العجب - الكبر - الوقار - كثرة المزاح

2/3/2021 - 12:08 ص     619

العجب

     ومنها : العجب، أي استعظام نفسه لما يرى لها من الكمال، سواء اتّصف به في نفس الأمر أم لا، وسواء كان كمالاً في الحقيقة أم لا.

     وقيل: هو إعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم ، فلو تصوّر كونها من عطاياه تعالى يسلبها متى شاء لم يكن عجباً.

     ويمتاز الكبر عنه بتصوّر مزيته على الغير فيه، فيستدعي متكبّراً عليه بخلافه، فلو لم يخلق الا وحده أمكن في حقّه العجب دون الكبر، ولايكفي في الكبر مجرّد استعظام نفسه أو استحقار غيره، إذ لعلّه يرى نفسه أحقر منه أو غيره أعظم منه أو مساوياً له.

     وفي الخبر: « إنّ العجب على درجات، منها: أن يزيّن للعبد سوء عمله فيراه حسناً، ويحسب أنه يحسن صنعاً،ومنها: أن يؤمن العبد بربّه فيمنّ على الله ولله عليه المنّة([1])».

     هو من المهلكات العظيمة ، كما قال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: « ثلاث مهلكات: شحّ مطاع، وهوىّ متّبع، وإعجاب المرء بنفسه »([2]).

     وعن الباقر عليه السلام: « من دخله العجب هلك »([3]).

     وفي كثير من الأخبار:«إنّ الذنب خير منه ولو لاه ما ابتلي مؤمن بذنب أبداً»([4]).

     وممّا يترتّب عليه الكبر كما سيأتي ، ونسيان الذنوب واستحقارها فلا يتداركها، وتزكية نفسه وترك السؤال والتعلّذم إن كان في العلم وعدم قبول النصح وترك الاستشارة إن كان من خطأ ، وبه يحصل الضلال والهلاكة في أمور الدين والضرر والفضيحة في أمور الدنيا والفتور في السعي لظنّذه الفوز بما ينجيه مع أنّه الهلاك الذي وقع فيه.

     وعلاجه الإجمالي : أن يعرف ربّه بأن كل كمال له منته إليه.

     وعلاجه التفصيلي : قطع مواده وأسبابه.  فإن كان سببه العلم ، تفكّر في أنّ حقيقته العلم بربّه ونفسه كما عرفت وهو جاهل بهما.  فلوكان عالماً بهما ازداد خوفاً وتذلّلاً واعترافاً بالعجز والقصور.  وأنّ الله يحبّذ من عبده الاستكانة والتذلّل ، حيث قال تعالى بلسان رسله : « إنّ لك عندي قدراً ما لم تر لنفسك قدراً ، فإن رأيت لها قدراً فلا قدر لك عندي ».

     وإن كان الباعث عليه عبادته ، تأمّل في أنّ المقصود منها تحصيل ملكة العبودية، أعني الانكسار والذلّة وهو يضاد العجب مع كثرة شرائطها وشدّذة آفاقها الموجبة لحبطها.

        وأنّ إعجابه بكماله إن كان لكونه محلاً وقابلاً له فهو مسخّر تحت حكم الفاعل وهو الله سبحانه وتعالى فهو الذي أفاض عليه ذلك وليس له الا القبول والانفعال والفضل للمؤثّر الفاعل دونه.

        مع أنّ الاستعداد والقبول أيضاً من فيضه وفضله ، فإنه الخالق للأعضاء والجوارح والقوى والادراكات وغيرها.

     ونقل أنّ واحداً من أولاد الملوك افتخر على غلام حكيم، فقال له الغلام: إن كان فخرك بأبيك فالفخر له، وإن كان من ملبوسك فالشرف له، وإن كان من مركوبك فالفضل له، ولو أخذ كلّ حقه لم يبق فيك ما يصلح لافتخارك.

     وثانياً : في أنّ الله تعالى قد عرّف نسبه بقوله:  {وبدأ خلق الإنسان من طين ثمّ جعل نسله من سلالة من ماء مهين}([5]). وأيّ شرف في أصل تطأه الأقدام أو تتنجّس من ملاقاته الأجسام.

        وإن كان من جماله ، تأمّل في سرعة زواله بعروض أدنى مرض وألم ، ثم عروض الشيب والهرم، ثم لحوق الفناء والعدم وما يؤول إليه أمره بعد شيبه من قبح الصورة ثم موته وصيرورته جيفة قذرة، فكيف يعجب بالهيأة التي هذا دوامها وحقيقتها.

     وإن كان من المال ، تأمّل في آفاته من الغصب والنهب والحرق والغرق وغيرها من أسباب وزواله.

     ثم في كون كثير من النصارى واليهود والمجوس والهنود أكثر مالاً منه. فتّباً لشرف لا وثوق له ببقائه في ساعة فضلاً عن أيّام وليال

     ثم في ماورد في ذمّه وذمّ الأغنياء ومدح الفقر والفقراء وشرافتهم واستباقهم إلى ما أعدّ لهم من النعيم في دار البقاء.

     وإن كان من قوّته وشدّة بطشه، تأمّل في حصول أشدّ الضعف له بأدنى مرض يسلّط عليه وأقلّه، ولو توجّع عرق واحد من أعضائه صار من أعجز ما يكون وأذلّه، ولو سلبه الذباب شيئاً لم يستنقذه منه، وعجزه عن قمّلة وبقّة وأدنى شوكة تدخل في رجله، وأنّ كثيراً من الحيوانات أشدّ بطشاً منه، فأيّ إعجاب بما يكون في البهائم والسباع أكمل منه.

 

 

التكبر

     قد تبيّن لك حقيقة الكبر، وأنّه من تنائج العجب، وما يترتّب عليه من التحقير للغير كالاستنكاف عن مواكلته ومصاحبته وتوقّع التقديم فيما يدلّ عرفاً على التعظيم عليه ، وعدم الالتفات في المحاورات وغيرها إليه يسمّى تكّبراً ، وهو من الآفات العظيمة التي هلك بها خواصّ الأنام فضلاً عن العوام ، وهو أعظم الحجب المانعة عن الوصول إلى دار السلام.

     ويترتّب عليه من المفاسد ترك التواضع وكظم الغيظ وقبول النصح والغضب والحقد والحسد والغيبة وازراء الناس وغيرها.

     وفي النبويّ: « لايدخل الجنّة من كان في قلبه مثقال حبّة من خردل من الكبر»([6]).  وفيه أيضاً قال الله تعالى: الكبرياء ردائي والعظمة أزاري، فمن نازعني في واحد منهما ألقيته في جهنم »([7]).  وقال عيسى بن مريم عليه السلام: «كما أنّ الزرع ينبت في السهل ولاينبت على الصفا، كذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ولاتعمر في قلب المتكبّر»([8]).  وبالجملة : فالأخبار كثيرة لاتحصى.

     وأقبح أفراد المتكبّر من مكّنه في قلبه وأظهره بلسانه وجوارحه في أقواله وأفعاله. وأحسن منه في الجملة من مكنّه في القلب والجوارح ماخلا اللسان. وأحسنها من مكنّه في القلب ولم يظهره بقول ولا عمل ، بل يجتهد في التواضع.

     فإن كان قصده التلبيس على الناس بإثبات التواضع لنفسه فلعلّه أشدّ من الأولين لكونه متكبّراً ومرائياً معاً ، وإن كان منكراً لما يميل إليه قلبه مجتهداً في إزالته عنه ، كلن لايقدر عليه بسهولة ، بل يميل نفسه إلى ما يشتهيه من دون اختيار فيرجى له أجر المتواضع ، والله تعالى عسى أن يوفّقه بموجب وعده لغاية مراده وقصده.

     وعلاجه : بما ذكر في العجب لاشتراك بواعثهما وكونه من نتائجه ، ويخصّه بعد التذكّر لما دلّ على ذمّه ومدح ضدّه من الآيات والأخبار ، التأمّل في أنّ حكمه بمزيته على غيره من غاية جهله ، إذ شرف المرء بسعادته وحسن خاتمته ولا علم بهما الا للعالم بالقضاء الأزلي ، فربّما حسنت خاتمة المتكبّر عليه ووصل إلى أقصى مراتب السعادة وختم للمتكبّر بالشقاوة.

     وأيضاً شرفه بالفضائل النفسيّة ، وخسّته بالرذائل الخلقية ، وهي أمور باطنية لا يعلمها الا علام الغيوب المطّلع بما تخفيه الضمائر والقلوب.

     على أن المناط حسن الخاتمة وسوء العاقبة ، فلعلّ الكافر يسلم ويتوب ، والفاسق يندم ويؤوب.

     والعلاج العملي له المواظبة على ضدّه ولو تكلّفاً إلى أن يعتاد عليه وينقلع عن قلبه شجرته الراسخة فيه بأصولها وأغصانها.

     وله علامات كحصول السرور القلبي له من ظهور الخطأ في رأيه وحقّية رأي خصمه في مناظراته وشكره الظاهري له على تنبيهه عليه من دون ثقل عليه لا في الخلأ ولا في الملأ.

     وكإجابة دعوة الفقراء وقضاء حوائجهم وحمل حوائجه وحوائجهم إلى منزله ومنازلهم بنفسه من دون ثقل عليه في الخلأ والملأ.  والأكل مع الفقراء والمعلومين والخدم والغلمان من دون ثقل عليه في الخلأ والملأ.

     وفي الخبر: « أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلف الناضح، ويعقل العبير، ويقمّ البيت، ويحلب الشاة، ويخصف النعل، ويرقّع الثوب، ويأكل مع الخادم، ويطحن عنه إذا أعيى، ويشتري من السوق ويعلّقه بيده، أو يجعله في طرف ثوبه، ويصافح الغنيّ والفقير والصغير والكبير، ويسلّم مبتدءاً على كلّ مستقبل من صغير وكبير وأحمر وأسود، حرّ أو عبد من أهل الصلاة ، وكان أشعث أغبر، ولايحقّر مادعي إليه ... الحديث ».

 

التواضع واستحقار النفس

     ومنها هضم النفس واستحقارها، وهو ضدّ العجب، فكلّ من بلغ إلى مرتبة عالية فقد بلغها بهذه الصفة، ومالم يعلم الانسان فقدانه لصفة كمال لم يرغب إلى تحصيلها، ولم يحنّ إلى طلبها، والأخبار في اتّصاف المؤمن به وأنّه تعالى يحبّ المنكسرة قلوبهم أكثر من أن تحصى وإن ضمّ إليه استعظام الغير كان تواضعاً، وهو ضدّ الكبر، وهو من أعظم صفات المؤمن شريطة أن لا يخرج عن المالوف في تحقير نفسه ولا سيما أمام الناس.

     قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله ».([9])

     وقال عيسى بن مريم عليه السلام: « طوبى للمتواضعين في الدنيا ، هم أصحاب المنابر يوم القيامة »([10]).

     وأوحى الله تعالى إلى داود: « يا داود! كما أنّ أقرب الناس إليّ المتواضعون كذلك أبعد الناس عنّي المتكبّرون »([11]).

     وقال الصادق عليه السلام: « التواضع أصل كلّ شرف نفيس ، ومرتبة رفيعة ... والتواضع مايكون لله وفي الله ، وماسواه مكر ، ومن تواضع لله شرّفه الله على كثير من عباده ـ إلى أن قال ـ وأصل التواضع من إجلال الله وعظمته وهيبته ، وليس لله عبادة يرضاها ويقبلها الا وبابها التواضع ، ولايعرف ما في حقيقة التواضع الا المقرّبون من عباده ، المتّصلون بوحدانيّته »

 

الوقار

     الوقار طمأنينة النفس وسكونها في الأقوال والأفعال والمظهر من قول أو فعل أو لباس أو سيرة أو غير ذلك، وهو المعبر عنه في الشرع بالمروؤة، فيشمل التوقّف والتأنّي ، وهو من نتائج قوّة النفس وكبرها ، وقد مدح به الأنبياء ، وورد في صفات المؤمن أنّه وقور صبور ، وبديهة العقل تشهد بحسنها ، فلابدّ لكلّ عاقل من الاجتهاد في تكليف نفسه على آثاره من التأنّي في الحركات ، حتّى يصير له ملكة تدريجاً ، وتمتاز السكينة عنه باختصاصها بالباطن واختصاصه بالظاهر.

 

كثرة المزاح

     المزاح إمّا من خفّة النفس فيكون من رذائل الغضبية أو ميل النفس إليه، أو الطمع في أموال الناس بتطييب خواطرهم فيكون من رذائل الشهويّة، وإكثاره مذموم يوجب قسوة القلب بكثرة الضحك، وغفلته عن يوم الجزاء ويسقط المهابة ويورث البغضاء، وربّما آل إلى الهزل والاستهزاء.

     قال بعض الأكبر لابنه : يابني! لا تمازح من هو أعلى منك فيعاديك ، ولا من هو أدنى منك فيجتري عليك.

     وقال الآخر : المزاح مسلبة للبهاء مقطعة للأصدقاء.

     وقيل : لكلّ شيء بذر ، وبذر العداوة المزاح.

        وأمّا القليل الذي يبعث على تطييب قلوب الاخوان وانبساط خواطرهم واستيناسهم، ولا يتضمّن كذباً وايذاء ، فهو ممدوح لفعل الرسول والأئمة عليه وعليهم الصلاة والسلام، فكان صلى الله عليه وآله وسلم يمزح ويمزح به، ويقول : « إنّي لأمزح ولا أقول إلا حقّاً »([12]).



([1]) الكافي: 2 / 313 ، كتاب الايمان ولكفر ، باب العجب ، ح 3 مع اختلاف.

([2]) المحجة البيضاء : 6 / 272.

([3]) الكافي : 2 / 313 ، كتاب الايمان والكفر ، باب العجب ، ح 2 ، وفيه ، عن الصادق ( ع ) .

([4]) راجع الكافي : 2 / 313 ، والمحجة البيضاء : 6 / 273.

([5]) السجدة : 7_8.

([6]) المحجة البيضاء : 6 / 212.

([7]) المحجة البيضاء : 6 / 213.

([8]) تحف العقول : 504.

([9]) المحجة البيضاء : 6 / 219.

([10]) المحجة البيضاء : 6 / 220.

([11]) الكافي : 2 / 123 ـ 124 ، كتاب الايمان والكفر ، باب التواضع ، ح 11

([12]) المحجة البيضاء : 5 / 236

 

 

 

 


  

   أضف مشاركة

حفل تخرج 1440 هـ


محرك البحث

مواقع التواصل الاجتماعية

صور عشوائية من معرض الصور

حفل تخريج طلاب عام 1440
مزرعة الخويلدي - أبو معن - 1432 10
حفل تخريج طلاب عام 1440
حفل تخريج الدفعة الحادية عشر
حفل تخريج طلاب عام 1440
حفل تخريج طلاب عام 1440
حفل تخريج طلاب عام 1440
الحفل الختامي لتخريج جميع المستويات عام 1432
الحفل الختامي لتخريج جميع المستويات عام 1432

تغيير القالب