المشرف العام

العفة - الحسد - حب الجاه

1/3/2021 - 11:57 م     660

فضيلة العفة

        العفّة جنس لكثير من الفضائل، وهي انفياد القوّة الشهوية للعاقلة في ما تأمرها به وتنهاها عنه وهي الحد الوسط المحمود فيما بين الشره والخمود.

     وقد عرفت سابقاً أنّ هذه الفضائل الأربع عبارة عن اعتدال كلّ من القوى الثلاث أو جميعها، ولاينافيه ما ورد في فضل الجوع، بل يؤكّده ويحقّقه، فإنّ الحكيم إذا علم كون الطبيعة حريصة وباعثة على الإفراط حثّ على التفريط حتّى يحصل من تدافعهما ملكة الاعتدال.

     ولذا ورد في مدح العفاف أخبار لاتحصى. قال أميرالمؤمنين عليه السلام: « أفضل العبادة العفاف »([1]).  وقال الباقر عليه السلام: « ما من عبادة أفضل من عفّة بطن وفرج »([2]). وقال الصادق عليه السلام: « أيّ الاجتهاد أفضل من عفّة بطن وفرج » ([3]).

     إذ قد علمت أن المقصود من الأكل والشرب والجماع حفظ قوام البدن وبقاء النوع ، وأنّها ليست مقصوده لذاتها ، فالإعتدال في كلّ منها هو حصول غايته مع قصد تلك الغاية .

     ثم إنّ للعرفاء ترغيبات على الجوع بكثرة فوائده وتوقّف كشف الأسرار الإلهية والوصول إلى المراتب العليّة عليه، والأخبار الواردة في فضل الجوع وأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله ومولانا أميرالمؤمنين عليه السلام، وكثيراً من خلّص الصحابة كانوا يمسكون عن الأكل يومين أو ثلاثة وكانوا يربطون الصخر على بطونهم من الجوع كثيرة ، وكذا ما نقل عن سائر الأنبياء والأولياء .

وغاية ما يدلّ عليه سائر الأخبار هي ما نبّهنا عليه من كون الراجح من الأكل مثلاً ما يحفظ به قوام البدن ، كما دلّ عليه قول النبي صلى الله عليه وآله: « حسبه لقيمات يقمن صلبه »([4]).

 

رذيلة الحسد

     الحسد عبارة عن كراهة النعمة الحاصلة للغير مع تمني زوالها وليس منه الغبطة حيث لا يحصل فيها تمني زوال النعمة عن الغير ، وله بواعث كثيرة.

     منها : ما يؤول إلى رذالة القوّة الشهوية، كحبّ الجاه والمال وغيرهما من الشهوات الدنيوية، وشدّة الحرص عليها، فيحبّ أن يكون له ما حصل لغيره منها، أو يزول عنه حتّى يتفرّد به.

     والخوف (1) من فوت المقاصد كما يتّفق للمتزاحمين على أمر واحد كتحاسد الضرّات في الزوجية، والاخوة في نيل المنزلة عند أبويهم، والتلامذة عند استاذهم، وخواصّ الملك في التقرّب لديه، وعلماء بلدة واحدة في نيل الجاه أو غيره.

     أو البخل ، فإنّ من الناس من يفرح بابتلاء جميع الناس بأنواع المحن ، ويحزن من سعة عيشهم وحسن حالهم بدون باعث ظاهر من عداوة أو توقّع نفع أو وصول مكروه وغيرها ، بل يبخل بنعمة الله على عباده من دون غرض ، وهذا أخبث الحسّاد وأسوأهم.

     أو التعجّب، بحيث يرى النعمة أعظم ممّا يستحقّه صاحبها، فيتعجّب عن فوزه بها، ويحبّ زوالها عنه، كما وقع للأمم السالفة مع أنبيائهم.

قال تعالى: { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله }([5]). وقال صلى الله عليه وآله وسلم: « قال الله تعالى لموسى بن عمران : لا تحسدنّ الناس على ما آتيتهم من فضلي ولا تمدّنّ عينيك إلى ذلك ولاتتبعه نفسك ، فإنّ الحاسد ساخط لنعمي ، صادّ لقسمي الذي قسمت بين عبادي ، ومن يك كذلك فلست منه وليس منّي »([6]).

     وقال الصادق عليه السلام: « الحاسد مضرّ بنفسه قبل أن يضرّ بالمحسود، كإبليس أورث بحسده لنفسه اللعنة ولآدم الاجتباء والهدى والرفع إلى محلّ حقائق العهد والاصطفاء، فكن محسوداً ولاتكن حاسداً، فإنّ ميزان الحاسد أبداً خفيف يثقل ميزان المحسود، والرزق مقسوم، فما ينفع الحسد الحاسد وما يضرّ المحسود الحسد »([7]).

     وقد تبيّن من هذه الأخبار وممّا ذكرناه أوّلاً أن الحسد يضرّ في دين الحاسد لما يتفرّع عليه من المعاصي كالغدر والعداوة للمؤمن وترك النصح والتعظيم والمرعاة له وغير ذلك، ولكونه ساخطاً معانداً لله في قضائه طالباً للشرّ والنقص له ولعباده.  وفي دنياه أيضاً لعدم انقطاع فيوضه تعالى بمناه فيتعذّب دائماً بأشدّ الحسرة ولايضرّ بدين المحسود ودنياه، إذ لا ينقطع عنه ما قدّر له من أياديه تعالى، فيكون الحاسد عدوّاً لنفسه صديقاً لعدوّه ، ولذا قيل:  مارأيت ظالماً أشبه بمظلوم من حاسد ، إنّه يرى النعمة عليك نقمة عليه.

 

     الفرق بينه وبين الغبطة

     قد أشرنا إلى أنّ الغبطة تمنّي مثل ما للمغبوط من غير إرادة زواله عنه، ويسمّى منافسة أيضاً، وإطلاق الحسد عليه في بعض الأخبار اتّساع لمقاربتهما، وهي في الأمور الدينية والفضائل النفسية ممدوحة، إذ سببها حبّ الله وحبّ طاعته، وأمّا في الأمور الدنيوية الغير المحرّمة فهي وإن لم تكن محرّمة الا أنّها لابتنائها على حبّ الدنيا والتنعّم بها مذموم ينقص بها درجته ويحجب بسببها عن المقامات المحمودة كالرضا والتوكّل والقناعة والزهد.

 

 

 

 

حب الجاه

     ومن نتائج حبّ الجاه حبّ المدح وكراهة الذمّ المستلزمين لجعل الأفعال والأقوال تابعة لأهواء الناس رجاءاً لمدحهم وخوفاً من ذمّهم وايثار رضا الخلائق على رضا الخالق بارتكاب المكروهات، بل المحرّمات وترك السنن، بل الواجبات والنهاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتجاوز عن الانصاف.

     وهذا كلّه خارج عن الايمان، لأنّ المؤمن لاتأخذه في الله لومة لائم.

     وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: « إنّما هلك الناس باتّباع الهوى وحبّ الثناء »([8]).

     وقال صلى الله عليه وآله وسلم لرجل أثنى على آخر بحضرته: « لو كان صاحبك حاضراً فرضي بالذي قلت فمات على ذلك دخل النار »([9]).

     وعلاجه أن يتفكّر في أنّ شعوره بكمال نفسه إن كان ثابتاً له في الواقع كان فرحه من فضل الله عليه أولى ، والا فإن علم أنّه معتقد لما يقوله كان حقيقاً بالسعي في تحصيل تلك الفضيلة وإزالة ضدّها عن نفسه شكراً لما أنعم الله عليه من ستر عيوبه عن أعين الناس ، ونشر الثناء الجميل الذي ليس أهلاً له ، فهو بالهمّ والغمّ أولى.

     وإن علم أنّه غير معتقد له كان مستهزءاً له فهو بالهمّ والغمّ أحقّ وأحرى.

     ويعلم علاج كراهة الذمّ من ضدّها ونزيدك تنبيهاً بأن قصد الذامّ منه إن كان النصح والارشاد فما أعظم حقّ إحسانه عليك ، وما أقبحك لو غضبت.



([1]) الكافي : 2 / 79 ، كتاب الايمان والكفر ، باب العفّة ، ح 3.

([2]) الكافي : 2 / 80 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب العفّة ، ح 7.

([3]) الكافي : 2 / 79 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب العفّة ، ح 4 ، وفيه : « عن الباقر عليه السلام.

([4]) المحجة البيضاء : 5 / 147.

([5]) سورة النساء: آية 53.

([6]) الكافي : 2 / 307 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب الحسد ، ح 6.

([7]) المحجة البيضاء : 5 / 328 نقلاً عن مصباح الشريعة الباب 51 ، في الحسد.

([8]) المحجة البيضاء : 6 / 112.

([9]) المحجة البيضاء : 6 / 133.

 

 

 

 


  

   أضف مشاركة

حفل تخرج 1440 هـ


محرك البحث

مواقع التواصل الاجتماعية

صور عشوائية من معرض الصور

اغلاق باب التسجيل
الحفل الختامي لتخريج جميع المستويات عام 1432
مزرعة الخويلدي - أبو معن - 1432
الحفل الختامي لتخريج جميع المستويات عام 1432
حفل تخريج الدفعة الثانية عشر 5
عقد قران الولد مجتبى 7
حفل تخريج الدفعة الحادية عشر 4
حفل تخريج الدفعة 26 المستوى الأول في تعاليم الخطابة الحسينية
حفل تخريج الدفعة الثانية عشر 4

تغيير القالب