التوكل على الله - الورع - الامانة في تحمل المسؤولية

 

المشرف العام

التوكل على الله - الورع - الامانة في تحمل المسؤولية

1/3/2021 - 11:53 م     728

التوكل على الله

     معنى التوكل: هو اعتماد القلب على الله والثقة به في جميع الأمور والتبرّي عن كلّ حول وقوّة.

     ولاينافيه السعي في قضاء الحوائج بطلب الاسباب شريطة أن يكون وثوقه به تعالى لا بتلك الأسباب ، بل ترك بعضها محرم شرعاً، فترك الكسب والتدبير محرّم في الشريعة لثبوت التكليف بطلب الرزق بالزراعة أو التجارة أو الصناعة وغيرها فإنّها أسباب جرت عادة الله بترتيب المسبّبات عليها كجريان عادته بحصول التقرّب إليه بالعبادة ونحوها.

     نعم ينبغي عدم الاتّكال عليها، بل عليه تعالى والاعتماد على فضله ورحمته وعدم السكون إليها ، بل إلى قدرته وحكمته بتجويز قطعه تعالى الأسباب عن مسبّباتها وإعطائه السمبّبات من دون أسبابها.  

     ولذلك قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للأعرابي لمّا أهمل بعيره وقال: توكّلت على الله : « اعقلها وتوكّل »([1]).     

     وقال الله تعالى: {خذوا حذركم}([2])،

     وقال تعالى { وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم}([3])،

     وقال تعالى  { وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل }([4]).

     وقال لموسى عليه السلام: { فأسر بعبادي ليلاً }([5])

     وهو موقوف على الإعتقاد الجازم، بأن لافاعل إلا هو ولاحول ولا قوّة إلا حوله وقوّته.  وأنّ له تمام العلم والقدرة على كفاية العباد، ثم تمام الرحمة والعناية، وليس وراءها علم وقدرة ولا رحمة ولا عناية.

     وهذا كله يرجع للإعتقاد الجازم بمضمون قولك في الذكر: ( لا اله الاهو وحده لا شريك له له الملك وله الحمد )، حيث أن تلك الحالة تنشأ من علم واعتقاد بأمور مهمة وهي :

     الإيمان بالتوحيد الذي يترجمه قولك : لا إله الا هو وحده لاشريك له. وبالقدرة التي يترجمها قولك: له الملك.  وبالجود والحكمة التي يدلّ عليهما قولك: وله الحمد.  وبهذا يتمّ التوكّل، والمراد من الإيمان بها صيرورتها وصفاً لازماً لقلبه غالباً عليه.

 

     مراتب التوكل :

     لما تبيّن لك أخي أن التوكّل عبارة عن الحالة المترتّبة على العلم بالأمور المذكورة فاعلم أنّ لها درجات ثلاث:

     أوّلها: كون حاله في الوثوق بكفالته عنه كوثوق الموكّل بالوكيل.

     وثانيها: كون حاله مع الله فيه كالطفل مع أمّه حيث لايعرف غيرها في جلب نفعه ودفع ضرّه، قد فنى في توكّله فلا يلتفت إلى الأسباب بل إلى المتوكّل عليه فقط.

     وثالثها: أن يكون بين يدي الله تعالى كالميّت بين يدي الغاسل فيرى نفسه ميّتاً تحت القدرة الأزليّة، وهذا في غاية قوّة اليقين بكون الأشياء مستندة إليه تعالى، فالصبيّ يفزع إلى أمّه ويصيح ويتعلّق بذيلها ويعدو خلفها، بخلافه حيث إنّه انتظار محض فهو كمن يعلم أنّ أمّه من غاية إشفاقها عليه تحمله وتسقيه وإن لم يفزع إليها ولم يصح ولم يتعلّق بها ، وهذا المقام يثمر ترك السؤال والطلب منه تعالى كما قال الخليل عليه السلام:  « حسبي من سؤالي علمه بحالي ، كفى علمه بحالي عن مقالي »([6]).

     ومن علامات حصول التوكّل استواء حالته لدى الفقر والغنى والنفع والخسران وطمأنينة النفس في ذلك من دون تزلزل واضطراب ، فإنّ الاضطراب لفقد الأشياء علامة السكون إليها ، وقد عرفت بكفاية الله أمر من توكّل عليه على أحسن وجه يتصوّره.

     فعليك أيها الخطيب أن تثق بالله وتتوكل عليه وأن لا تثق بأي سبب دون الله سواء كان تحضيراً وحفظاً وو....

     والتوكّل أعلى منازل السالكين وأعظم درجات الموحّدين الموقنين.

     وقد ورد في مدحه من الكتاب والسنّة ما ورد : قال الله تعالى:  { إنّ الله يحبّ المتوكّلين }([7]). وقال الله تعالى { وعلى الله فليتوكّل المتوكّلون } ([8]). وقال تعالى:  { ومن يتوكّل على الله فهو حسبه }([9]).

     وقال الصادق عليه السلام: « من أعطي ثلاثاً لم يمنع ثلاثاً، من أعطي الدعاء أعطي الإجابة ، ومن أعطي الشكر أعطي الزيادة ، ومن أعطي التوكّل أعطي الكفالة »  ثمّ قال عليه السلام: أتلوت كتاب الله عزّوجلّ : قال الله تعالى : { ومن يتوكّل على الله فهو حسبة }. وقال تعالى: { لئن شكرتم لأزيدنّكم }([10])، وقال: { أدعوني أستجب لكم  } ([11])([12]).

 

       الأمانة في تحمل المسؤولية

     إن من أهم غايات المنبر الحسيني هو اقناع المتلقي بالمبادئ الدينية وتوجيهه والتاثير عليه ولا يتأتي ذلك إلا بملاحظة أمور:

  1. استشعار المسؤولية في تحمل هذا العبيء. 

ويلزم من ذلك التحضير الجيد وعدم الإستهانة بطرحك المنبري بل يجب أن يكون تحضيرك للمحاظرات بحجم هذه الأمانة.

  1. مراعاة الجدوى في طرح أي معلومة أو أي شبهة فكثير من الشبهات الغير رائجة لا تحتاج للعناية بها فضلاً عن معالجتها بل أحياناً يكون ذكرها ترويجا لها.
  2. اقتناع الخطيب واحاطته العلمية بجميع بكل ما يلقيه فإن لذلك أثر عظيم في قوة الطرح.
  3. يجب فهم هيكلة الموضوع بحسب نوعية المعلومات حتى يتسنى للخطيب ترتيب نقاط الموضوع بطريقة نافعة.
  4. توثيق المعلومات والاطروحات بحيث تستند لمصادر معتمد ولا يصح بأي حال أن يعتمد الخطيب في موضوعه على الأحلام ولا القصص الغير واقعية.
  5. يجب أن يكون طرح الكرامات والمعاجز ومقامات اهل البيت عليهم السلام بطريقة مقنعة.
  6. عليك أن تعالج الأفكار بقوة الطرح الفكري وابتعد عن الشدة والإنفعال الغير مجدي، وكثير من الشبهات ربما تعلق في اذهان المتلقين ما لم تعالج بطرح ودفع للشبهات بطريقة قوية ومقنعة.
  7. عدم الولوج في المعلومات التخصصية الا بالرجوع لاهل الاختصاص.
  8. يجب على الخطيب أن يسعى لخدمة المذهب لا لخدمة الإتجاهات ولا التوجهات الفئوية.
  9. يجب الإعتماد في كل معلومة على نص شرعي من آية أو رواية وأن لا تكون المحاضرة خالية من النصوص الشرعية.
  10. مواكبة العصر بحيث يجب أن يكون الطرح منسجماً مع عقلية المتلقي ومناسباً لثقافته.
  11. يجب أن يحتوي طرح المشاكل والقضايا الاجتماعية منتهياً بالحلول.
  12. تثبيت المعلومات في الذهن بصورة سليمة حتى لا يقع الخطيب ولا المتلقي ضحية التشتيت.

 

الورع

     الورع عن محارم الله من أهم درجات التقوى، وهو زاد المؤمن وميزان فضله على غيره، فإن الله قد فضل الناس بعضهم على بعض بإيمانهم وتقواهم.

     ومن فوائده:

     القدوة الحسنة:  وهي إنما تكون في من وافق قوله عمله، قال تعالى: { أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون }، وقال سبحانه:  { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون -كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } يقول الإمام علي عليه السلام  : ( من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه وتأديبها قبل تعليم غيره وتأديبهم وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بكلامه).

     حصول الفائدة في وعظه وإرشاده: فمن المعلوم توقف التأثير في الموعظة على التأثر بها، فكلام الواعظ المتعظ أقوى وأثبت في النفوس من كلام غير المتعظ.

     كما أن خوفه من الله سوف يقوده لمراقبة النفس وبذلك يحصل على ملكة الأمانة في النقل والتثبت في الأمور فيحصل بذلك على درجة وثواب الواعظين المتثبتين.

 

 

 

     وللورع معنيان :

     أحدهما: الكفّ عن المعاصي بأسرها، وهو من فضائل القوتين معاً وهو من أعظم المنجيات والفضائل، بل هو المقصود في علم الأخلاق بالنسبة إلى العامة.

     وثانيهما: ملكة الاجتناب عن المال الحرام، وما يمكن أن يؤدى إليه، وهو من فضائل القوّة الشهويّة، وهوالمقصود بالذكر هنا.

 

     درجات الورع

     أوّل درجة: ورع العدول ، أي الاجتناب عمّا ينافي العدالة ويوجب الفسق في ظاهر الشريعة.

     وثانيها: ورع الصلحاء، أعني التوقّي عن الشبهات التي يأتي فيها الإحتمالات بحيث لايجب اجتنابها خشية أن يقع في الحرام.

     ولذا قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:  حلال بيّن وحرام بيّن وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشّبهات نجا من المحرّمات، ومن أخذ بالشّبهات ارتكب المحرّمات وهلك من حيث لا يعلم، وذلك لأنّ الوقوف عند الشّبهات خير من الاقتحام في الهلكات.

     وعن فضيل بن عياض عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: مَن الورعِ من النّاس؟ قال عليه السلام: الذي يتورّع من محارم الله ويجتنب هؤلاء فإذا لم يتّق الشّبهات وقع في الحرام وهو لا يعرفه.

     وعن أبي عبد الله عليه السلام: "أورع النّاس من وقف عند الشّبهة([13]) .

     فإن أغلب علماء السوء إنما نشأ تهتّكهم وفساد أعمالهم من أخذ الشبهات من عطايا الحكام وجوائزهم وهدايا الرعايا المشابهة للرشى وأصلح لهم الشيطان أعمالهم وخدعهم وحسن لهم فعالهم في أنفسهم فأوردهم الهلكة.

        لذا يجب على العالم والخطيب مراقبة نفسه وترك حبائل إبليس ومكائده.  فله مكائد خطيرة ربما وقعت العالم من حيث لا يشعر، ولا يخفى على كل لبيب أن ابليس بدئ بآدم ولا زال الى الآن يغوي أبناء آدم في { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ }.

        ويضاف لذلك أنه اتخذ آدم وذريته أعداء {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا}..

        يضاف إلى ذلك ان ترك القرب لله يؤدي على ثغرات كثيرة، لذا على النساء الذين يخافون من الجن القرين، أن يخافوا من الشيطان القرين؛ لأن هذه حقيقة قرآنية!.. وقد يصل الأمر بالإنسان أن يصبح الشيطان له قريناًومصاحباً!.. ويوم القيامة تُرفع دعوةٌ على الشيطانِ من قبل جميع البشرية: أن هذا الذي أغوانا يا رب!.. وهذا الشيطان لا يحتاج لمحامٍ، إنه يدافع عن نفسه أيما دفاع، ويقول: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ}.. هذا الشيطان القرين الذي ينبغي أن نحسبُ حسابه!..

        هنالك قصة في زمان الشيخ الأنصاري قيل: إنّ رجلاً رأى إبليس في المنام، وهو مغضب، وفي يديه مجموعة حبال غلاظ ورقاق، وسلاسل مختلفة، من بينها سلسلة غليظة قد تقطّعت في سبعة مواضع منها، فسألـــه عن الحبال والسلاسل التي يحملها في يديه، وعن السلسلة المتقطّعة ما هي، وما هو سبب تقطيعها؟..

        فقال إبليس: الحبال والسلاسل آلاتي ووسائلي، أغلّ بها الناس وأسحبهم إليّ. 

        فقال الرجل: إني أراك غضبان، فما هو سبب غضبك؟.   فقال إبليس: أردت في هذه الليلة أن أغلّ الشيخ الأنصاري، بأعظم ما عندي من السلاسل وأسحبه إليّ، غير أني لم أقدر عليه، وكلّ مرّة حاولت ذلك قطع السلسلة وانفلت من شباكي، فكرّرت العملية إلى سبع مرّات، حتّى يئست منه ورجعت خائباً خاسراً، وهذه السلسلة التي تراها مقطوعة، هي التي كنت قد أعددتها لأسحب بها الشيخ إليّ، وإنّ ما ترى عليّ من غضب فهو من ذلك.

        قال له الرجل حينئذ: وهل لك أن تريني السلسلة أو الحبل الذي تغلّني به، لتسحبني بواسطته إليك؟  قال له إبليس شامتاً:  إنّ أمثالك يأتون نحوي بمجرّد إشارة منّي إليهم، ولا يحتاجون إلى الحبل، فكيف بالسلسلة؟.

        فانتبه الرجل من نومه مذعوراً، وذهب إلى الشيخ الأنصاري، ونقل له الرؤيا، فلما سمع الشيخ ذلك استوى جالساً، وأخذ يحمد اللّه تعالى على سلامته من مكائد إبليس ووساوسه، وقال: نعم، لقد أصيبت زوجتي في الليلة البارحة بحالة الطلق والولادة، واحتجتُ إلى مال أتمكّن من أن أشتري به ما تحتاج إليه المرأة في هذه الحالة، فلم يكن عندي شيء سوى وديعة استودعها عندي بعض المؤمنين كأمانة، ففكّرت في نفسي وقلت: إنّ صاحبها يرضى بأن أتصرّف فيها، وخاصّة في مثل هذا الوقت الذي أنا بأشدّ الحاجة إليها، ثمّ إذا وسّع اللّه تعالى عليّ أرجعتها مكانها، فذهبت إلى الرف الموجود فيه الأمانة لأخذها، لكنّي احتطت ورجعت.. وهكذا إلى سبع مرات، حتى عزمت على عدم الأخذ، وبالفعل تركتها ولم آخذ منها شيئاً، وسهّل اللّه الأمر على زوجتي ووضعت بسلامة.. ولعلّ هذا هو تفسير الرؤيا التي رأيتها. 



([1]) المحجّة البيضاء : 7 / 426.

([2]) النساء: آية 71.

([3]) النساء: آية 102.

([4]) الأنفال: آية 60.

([5]) الدخان: آية 23.

([6]) جامع السعادات: 3 / 225.

([7]) سورة آل عمران:  آية 159.

([8]) سورة إبراهيم:  آية 12.

([9]) سورة الطلاق:  آية 3.

([10]) إبراهيم : 7.

([11]) غافر : 60.

([12]) الكافي : 2 / 65 ، كتاب الإيمان والكفر ، باب التفويض إلى الله والتوكّل عليه ، ح 6، وفيه : « أعطي الكفاية ».

 

 

 


  

   أضف مشاركة

حفل تخرج 1440 هـ


محرك البحث

مواقع التواصل الاجتماعية

صور عشوائية من معرض الصور

الحفل الختامي لتخريج جميع المستويات عام 1432
الحفل الختامي لتخريج جميع المستويات عام 1432
عاشوراء 1432 - سيهات -  مسجد الإمام الجواد 2
عاشوراء 1432 - سيهات -  مسجد الإمام الجواد 8
في امارة الشارقة سنة 1430
حفل تخريج طلاب عام 1440
حفل تخريج الدفعة الثانية عشر 9
حفل تخريج الدفعة الحادية عشر
حفل تخريج طلاب عام 1440

تغيير القالب