الصحبة والمصاحبة
لا شك أن للإنسان جسد وروح و لكل من الجسد والروح أمراض وعلل وكما أن الجسد يحتاج للغذاء والدواء فكذلك الروح.
وحيث أن الإنسان متبع بطبيعته بمعنى أنه يتبع غيره وتتكون شخصيته من خلال التلقي والاقتداء ولهذا اصبح للتربية والمحيط أثر عظيم في بناء شخصية الفرد ورسم صفاته.
ولأجل ذلك أصبح للإلفة الحاصلة بالصداقة والمصاحبة الأثر السحري في التأثير على سلوك الفرد وتقليب صفاته الباطنية.
لذا يجب مصاحبة أهل الخير والصلاح ممن يتساوى معك في الصلاح أو من هو أعلى منه في ذلك وأكمل، والتأسّي به في أخلاقه وآرائه والإقتداء به كما يجب، والحذر من مخالطة أهل الفساد فإن العشرة الحاصلة بين الأصحاب والإندماج في الأفكار والمحاورات تؤدي للاشتراك في الصفات والسلوكيات.
فإنّ الخير والشرّ متعاندان، ولكلّ منهما جنود وأعوان، فإنّ سهام مكائد الشياطين الإنسيّة وصنوف حيلهم في تحسين القبائح المحاسن أسرع وأنفذ في النفس من سائر آلات الشرّ، وتسلّطهم على قهر العاقلة أقوى من تسلّط الشياطين الاخر.
عن المرء لاتسأل وسل عن قرينه |
|
فكلّ قرين بالمقارن يقتدي |
مع أنّ الصحبة مؤثّرة بذاتها ، وكلّ شيء يميل إلى ما يلائمه ويشتاق إلى ما يجانسه. وقد عرفت أنّ أعوان الشر أكثر، ودواعيه أوفر، وجنوده أغلب، بخلاف الخير، لقلّة جنوده وأعوانه وصعوبة مسلكه ومخالفته لمقتضى الرغبة، ولذا حفّت الجنّة بالمكاره والنار بالشهوات.
والخطيب هو الأولى بملاحظة ذلك فيجب عليه إن أراد أن يبني نفسه على الفضيلة أن يعاشر أهلها ويبتعد عن أهل الرذيلة.
كما يجب عليه أن يتحلى بسلوك أهل الصلاح في فعله وقوله ولا ينبغي أن يتشبه بأهل الفساد حتى في طريقة كلامه ولا في قاموس ألفاظه ولا في طريقة معاشرته للناس.